أضرار الجلوس الطويل على الصحة

أضرار الجلوس لفترة طويلة: تأثيرات صحية وتداعيات على الجسم

الجلوس لفترات طويلة أصبح سمة من سمات الحياة الحديثة في العديد من الوظائف والمهن، حيث يقضي الأفراد ساعات طويلة أمام الكمبيوتر أو في وضعيات ثابتة مثل القيادة أو الجلوس في المكاتب. وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة قد تبدو غير ضارة للوهلة الأولى، إلا أن الجلوس المفرط يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشكلات الصحية التي تؤثر على الجسم والعقل بشكل سلبي. في هذا المقال، سنستعرض الأضرار الصحية التي قد تنتج عن الجلوس لفترات طويلة وأثرها على مختلف أجهزة الجسم، مع تقديم بعض التوصيات للحد من هذه المخاطر.

1. تأثير الجلوس الطويل على العمود الفقري والظهر

من أبرز المشكلات التي يعاني منها الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة في وضعية الجلوس هي الآلام المزمنة في الظهر والعمود الفقري. الجلوس لفترات ممتدة يؤدي إلى زيادة الضغط على الفقرات القطنية والمفاصل، مما يسبب شعورًا بالألم والتصلب. الوضعيات غير السليمة أثناء الجلوس، مثل الانحناء للأمام أو التراخي، تزيد من سوء الوضع.

تتراكم الضغوط على الأقراص بين الفقرات، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل الديسك القطني أو الانزلاق الغضروفي. هذه الحالات تتسبب في شعور مستمر بالألم الذي قد يمتد إلى الساقين والمفاصل.

2. أمراض القلب والأوعية الدموية

من المعروف أن الجلوس لفترات طويلة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. في الوضعية الجالسة، يكون تدفق الدم إلى الأطراف أقل فاعلية، ويؤدي ذلك إلى تراكم الدهون في الشرايين. هذا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة مستويات الكوليسترول الضار.

أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يقضون فترات طويلة في الجلوس لديهم فرصة أكبر للإصابة بأمراض مثل انسداد الشرايين وتصلبها. كما أن نقص الحركة يمكن أن يؤدي إلى قلة النشاط البدني، مما يزيد من خطر السمنة، وهو عامل خطر رئيسي للإصابة بأمراض القلب.

3. السمنة وزيادة الوزن

الجلوس لفترات طويلة يساهم بشكل مباشر في زيادة الوزن والسمنة. الحركة هي إحدى العوامل الأساسية التي تساعد الجسم على حرق السعرات الحرارية، وعندما يقل النشاط البدني، يتراكم الدهون في الجسم. الجلوس لفترات طويلة مع تناول الطعام غير الصحي يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الوزن بشكل غير ملحوظ، وهو ما يعتبر من العوامل المساعدة على تطور العديد من الأمراض مثل السكري من النوع الثاني.

يؤدي نمط الحياة الخامل، الذي يعتمد على الجلوس لفترات طويلة، إلى فقدان العضلات وهبوط التمثيل الغذائي، مما يجعل من الصعب على الجسم حرق الدهون بشكل فعال. كما أن الجلوس يزيد من احتمالية تطور مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإمساك.

4. ضعف الدورة الدموية وتجلط الدم

من الأضرار المقلقة التي تنتج عن الجلوس لفترات طويلة هو تأثيره على الدورة الدموية. في هذه الوضعية، يضعف تدفق الدم إلى الأطراف السفلى، مما يؤدي إلى تراكم السوائل في الساقين والقدمين. هذا يزيد من احتمالية حدوث تورم في الساقين وكذلك الدوالي، وهي حالة تتمثل في تمدد الأوردة بشكل غير طبيعي.

أسوأ تأثير يمكن أن يحدث نتيجة للجلوس المستمر هو تكوّن جلطات الدم، خاصة في الأوردة العميقة في الساقين، وهو ما يُعرف بتجلط الدم الوريدي العميق (DVT). إذا انفصلت الجلطة وانتقلت إلى الرئتين، يمكن أن تؤدي إلى انسداد رئوي، وهو حالة طارئة قد تهدد الحياة.

5. التأثيرات النفسية والعقلية

الجلوس الطويل لا يؤثر فقط على الجسم، بل يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية والعقلية. يرتبط الجلوس لفترات طويلة بحالة من الخمول العقلي والضغوط النفسية، حيث يمكن أن يشعر الأشخاص الذين يظلون جالسين لفترات طويلة بالاكتئاب أو القلق نتيجة لانخفاض مستويات النشاط العقلي والاجتماعي.

من المعلوم أن النشاط البدني يعزز من إفراز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج مثل الإندورفينات والسيروتونين. وعندما يفتقر الجسم إلى الحركة، تنخفض هذه الهرمونات، مما يزيد من مشاعر القلق والتوتر.

6. مشاكل المفاصل والعضلات

الجلوس الطويل يؤدي إلى ضعف في العضلات والمفاصل، وخاصة في أسفل الظهر والوركين والركبتين. عدم تحريك الجسم لفترات طويلة يؤدي إلى قلة مرونة العضلات وتصلب المفاصل. هذا الأمر يزيد من احتمالية الإصابة بإصابات العضلات والتواءات المفاصل.

عند الجلوس لفترات طويلة، تصبح العضلات المثبتة للجسم في حالة شلل نسبية، مما يؤدي إلى ضعفها بمرور الوقت. تزداد هذه المشكلة إذا كانت وضعية الجلوس غير صحيحة، مما يفاقم التوتر على المفاصل والأنسجة.

7. مشاكل في الجهاز الهضمي

يؤثر الجلوس لفترات طويلة أيضًا على الجهاز الهضمي. في هذا الوضع، يكون ضغط البطن مرتفعًا، مما يعيق عملية الهضم. يؤدي ذلك إلى مشاكل مثل الإمساك وعسر الهضم. يعتبر الجلوس لفترات طويلة أحد الأسباب التي تؤدي إلى قلة الحركة في الأمعاء، ما يسبب بطء حركة الطعام داخل الجهاز الهضمي.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب نمط الحياة الخامل في تراكم السموم في الجسم، مما يؤدي إلى اختلالات في وظائف الأمعاء. الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة في الجلوس أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة القولون العصبي.

8. تأثير الجلوس الطويل على العيون

الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات يؤدي إلى إجهاد العينين، وهي مشكلة شائعة لدى الأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة أمام الكمبيوتر أو الهواتف الذكية. هذا النوع من الجلوس يؤدي إلى ظهور أعراض ما يعرف بـ “متلازمة الرؤية بالحاسوب”، والتي تشمل جفاف العين، والصداع، وضبابية الرؤية، وآلام في العينين.

التحديق المستمر في الشاشة لفترات طويلة بدون فترات راحة يسبب زيادة في إجهاد عضلات العين، مما يعيق عملية الرؤية بشكل طبيعي. تعتبر هذه المتلازمة واحدة من المشكلات الصحية التي يعاني منها الكثيرون في عصرنا الرقمي.

9. تأثيرات طويلة الأمد على الصحة

إذا استمر الأفراد في الجلوس لفترات طويلة على مدار سنوات، فإن التأثيرات الصحية التي تم ذكرها قد تتفاقم وتصبح أكثر خطورة. على سبيل المثال، تتزايد احتمالية الإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم. علاوة على ذلك، قد يؤدي الجلوس لفترات طويلة إلى حالة تُسمى “متلازمة الحياة الخاملة”، حيث يصبح الشخص غير قادر على القيام بأي نشاط بدني نتيجة للضعف العضلي والمشاكل الصحية.

10. كيفية الحد من أضرار الجلوس الطويل

لتقليل الأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس لفترات طويلة، هناك بعض التدابير التي يمكن اتخاذها، مثل:

• الممارسة المنتظمة للتمارين الرياضية: القيام بنشاط بدني يومي يحسن الدورة الدموية، يقوي العضلات، ويحسن مرونة المفاصل.

• الوقوف بين الحين والآخر: من المهم أخذ فترات راحة قصيرة للوقوف والمشي لمدة 5 إلى 10 دقائق كل ساعة.

• تصحيح وضعية الجلوس: يجب التأكد من أن وضعية الجلوس صحيحة، بحيث يكون الظهر مستقيمًا، والمرفقان بزاوية 90 درجة، والقدمان ملامستين للأرض.

• استخدام مكاتب العمل القابلة للتعديل: يمكن للمكاتب القابلة للتعديل بين وضعية الجلوس والوقوف أن تساعد على الحد من التأثيرات السلبية للجلوس الطويل.

الخاتمة

الجلوس لفترات طويلة له العديد من الآثار السلبية التي تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة. من آلام الظهر إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وصولاً إلى التأثيرات النفسية، الجلوس الطويل يشكل تهديدًا حقيقيًا للجسم والعقل. ولكن مع اتخاذ بعض الخطوات الوقائية مثل ممارسة الرياضة، تحسين وضعية الجلوس، وأخذ فترات راحة منتظمة، يمكن تقليل هذه الأضرار بشكل كبير وتحسين جودة الحياة العامة.